برعاية الاحتلال.. المستوطنون يستغلون عدوان غزة لتوسيع الانتهاكات ضد سكان الضفة

كتبت/مرثا عزيز
بينما ينشغل العالم بالعدوان الذي يشنه جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، يوسع المستوطنون أعمالهم الإرهابية ضد سكان الضفة الغربية.
فبحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن المستوطنين في الضفة يقومون بانتهاكات ضد الفلسطينيين بالضفة، مستغلين التصعيد في غزة ليفعلوا ما يريدون في الضفة، وغالبا ما يكون ذلك انتهاكا للقانون، وتحظى تلك الانتهاكات بدعم علني من أعضاء التحالف اليميني، فيما تغض قوات الأمن الإسرائيلي الطرف عنها، بل وتفرض عليها حمايتها في بعض الأحيان.
دفعت تلك الانتهاكات صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إلى التحذير من العنف الذي يمارسه المستوطنون بالضفة، مؤكدة أنه من الخطأ التغاضي عن خطر تصاعد عنف المستوطنين خلال الأسابيع والأشهر الماضية.
مخاوف من الانفجار بالضفة
ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أن القوميين المتطرفين داخل حكومة الاحتلال، برئاسة بنيامين نتنياهو، والمستوطنين المسلحين يستغلون الحرب على غزة لتوسيع الاستيطان في أراضي الضفة الغربية المحتلة، مبررين هذا بعملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأنهم يدركون تمامًا انشغال العالم بما يدور في غزة، الأمر الذي سيوفر لهم الغطاء، للمزيد من عمليات الاستيلاء على الأراضي بالضفةكما شكل هذا الأمر ضغطًا على الإدارة الأميركية، التي تزود الاحتلال بالسلاح، وأعلن بايدن: «اتخذت الإدارة خطوة غير معتادة للحصول على ضمانات من إسرائيل بأن أياً من آلاف الأسلحة الهجومية التي طلبتها إسرائيل، لن تذهب إلى مواطنيها في مستوطنات الضفة الغربية».
ومع ذلك، لم يُظهر نتنياهو سوى القليل من الاهتمام لكبح جماح حلفائه من القوميين، فبرغم أنه شكّل حكومة حرب خاصة مع زعماء المعارضة لإدارة الحرب ضد حماس، إلا أن حكومته الائتلافية الأصلية لا تزال سليمة، بما في ذلك المتطرفين الدينيين القوميين، وعلى رأسهم بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وهما أكبر المدافعين -بشكل لا لبس فيه- عن توطين اليهود في الضفة الغربية.
وقبل «طوفان الأقصى»، كانت الحكومة اليمينية المتطرفة تضغط من أجل «الإصلاح القضائي»، الذي أثار معارضة واسعة ومستمرة في إسرائيل، كمحاولة لتحرير الحكومة من القيود القضائية على تصرفاتها في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية.
ودعا سموتريتش إلى توسيع المناطق الفلسطينية «المحظورة» حول المستوطنات الإسرائيلية، بما في ذلك فرض حظر على الفلسطينيين، الذين يقطفون الزيتون بالقرب من المستوطنات.ورفض بن غفير تقاير الاستخبارات والأمن المحذرة من تنامي عنف المستوطنين، زاعمًا أنها ليست أكثر من كتابات على الجدران من قبل شبان إسرائيليين على الممتلكات الفلسطينية، وقال إنه لا سبب للاهتمام الكبير بها.
ترويع الفلسطينيين
إلا أنه ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، استُشهد أكثر من 150 فلسطينيًا، بينهم 44 طفلا، على يد القوات الإسرائيلية، وثمانية آخرين على يد المستوطنين الإسرائيليين، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتهجير ما لا يقل عن 111 أسرة فلسطينية تضم 905 أشخاص.
الأرقام لا تعطي القصة الكاملة للطرق التي يتم من خلالها ترويع الفلسطينيين، سواء باقتلاع المئات من أشجار الزيتون، وتخريب الممتلكات، والضرب وإطلاق النار، ورصف طرق بين البؤر الاستيطانية.
وفي حادثة أوردتها صحيفة «التايمز» الأسبوع الماضي، كان بائع فلسطيني وعائلته يقطفون الزيتون، عندما ظهر أربعة مستوطنين يهود مسلحين وبدأوا بالصراخ، وبيمنا فر من كانوا معه عاد البائع، الذي يدعى بلال محمد صالح، ليأخذ هاتفه، ليستشهد برصاص المستوطنين.وحذرت الصحيفة الأميركية من خطر «انفجار» الضفة الغربية، والتي قد تكون أعنف من الانتفاضات السابقة.
وأشارت إلى أنه منذ السابع من أكتوبر، شدد جيش الاحتلال، القيود على السفر في الضفة الغربية، وزاد عدد عمليات المداهمة والاعتقالات.
سلاح المستوطنين
من جهتها، أوضحت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أنها على علم بالتوترات، وأنها تشعر بالقلق إزاء هجمات المستوطنين المتطرفين على الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وقال بايدن مؤخرًا: «سكب البنزين على النار هو ما يشبه هذا الأمر.. يجب أن يتوقف الآن».
وعقب عملية طوفان الأقصى، بدأت إسرائيل، موجة من تسليح المستوطنين برعاية وزير الأمن القومي، اليميني المتطرف ايتمار بن غفير، حيث تم توزيع ما يقرب من 35 ألف قطعة سلاح، الأمر الذي أثار انتقادات متعددة، حيث كان بمثابة منح رخصة للمستوطنين بقتل الفلسطينيينكذلك يوزع المستوطنون، منشورات التهديد والوعيد للفلسطينيين، إذ يعثر عليها الفلسطينيون أمام منازلهم وتحت مساحات زجاج سياراتهم، حمل بعضها جملا مثل: «سوف تحل كارثة عظيمة على رؤوسكم قريبًا.. سنهلك كل عدو ونطردكم بالقوة من أرضنا المقدسة التي كتبها الله لنا. أينما كنت، احمل أحمالك على الفور وانطلق من حيث أتيت. نحن قادمون من أجلك».
التهجير
وفي تقرير لـ«الغارديان»، استعرضت الصحيفة البريطانية، أحد النماذج لعنف المستوطنين في قرية الزيتونة الفلسطينية في الجنوب من الخليل، التي يتألف سكانها من مزارعين ورعاة ماشية الذين رفضوا الرحيل عن منازلهم رغم الضغوطات، التي يفرضها جيش الاحتلال من جهة، والمستوطنين المتطرفين من جهة أخرى.
إلا أنه بعد أسابيع من عنف المستوطنين المكثف في أعقاب طوفان الأقصى، اتخذ سكان زنوتا، البالغ عددهم 150 نسمة، قرارًا جماعيًا بالمغادرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن منطقة مسافر يطا، التي تقع في المنطقة (ج) – التي من المفترض أنها تخضع للسلطة الفلسطينية، وهي المنطقة ذات الكثافة السكانية المنخفضة وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة تتعرض لخطر الضم، وكثيرًا ما يتم هدم صهاريج المياه الفلسطينية والألواح الشمسية والطرق والمباني هناك، بحجة عدم وجود تراخيص بناء، وهو أمر يكاد يكون من المستحيل الحصول عليه، بينما تزدهر المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية المحيطة.ولفتت إلى أن المستوطنين سيطروا فعليًا على 10% من المنطقة (ج) خلال خمس سنوات تقريبًا، وفقًا لبحث أجرته كيرم نافوت، وهي منظمة غير حكومية تراقب نشاط المستوطنين.
ولكن في العام الماضي وحده، سيطر المستوطنون على حوالي 110,000 دونم، أو 110 كيلومترات مربعة (42 ميلاً مربعاً) من الضفة الغربية، وقد ضمها المستوطنون إلى بؤر استيطانية رعوية.
ملفات المستوطنات
والمستوطنات ليست ملفًا جديدًا؛ فقد بدأت تظهر تقريبًا بعد أن احتلت إسرائيل جزءًا كبيرًا من الضفة الغربية عام 1967، ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من أن معظم دول العالم تعتبر المستوطنات غير قانونية، إلا أن المستوطنات توسعت وتضخمت بشكل مطرد.
وبموجب اتفاقيات أوسلو لعام 1993، التي منحت الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا محدودًا، تم وضع المستوطنات جانبًا كواحدة من القضايا التي يتعين حلها في المفاوضات المستقبلية.لكن هذه المشكلة لم يتم حلها أبدًا، واستمرت في التوسع، وبموجب القانون الإسرائيلي، يتم التعامل مع اليهود الذين يعيشون في المستوطنات كمواطنين إسرائيليين، بينما يعيش جيرانهم من الفلسطينيين تحت الاحتلال العسكري.
وهناك مستوطنات في الضفة الغربية، أكثر مما تعترف به إسرائيل رسميًا، وأكثر من 100 بؤرة استيطانية غير قانونية.
ووفقا للإحصاءات السكانية التي يحتفظ بها موقع المستوطنين بموقع WestBankJewishPopulationStats، فقد تجاوز عدد سكانهم 500 ألف نسمة في يناير/كانون الثاني، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى مليون نسمة بحلول عام 2047.
وقال أحد مؤلفي التقرير، باروخ جوردون، إن النمو السكاني يعد شهادة على استمرار الوجود اليهودي في الضفة الغربية، مضيفا أن معارضي المستوطنات يقولون «إنهم سينتهون في نهاية المطاف باتفاق سلام يتم التفاوض عليه عالميًا»، لكن الواقع على الأرض تقول إننا تجاوزنا عتبة النصف مليون، وهذه علامة كبيرة ونحن هنا لنبقى»، بحد وصفه.
غزة تواجه الإبادة
يأتي هذا فيما يواصل الاحتلال عدوانه الغاشم على غزة، تزامنًا مع شن قواته عملية برية في القطاع لليوم 37 على التوالي.
وتتواصل الغارات الوحشية التي تشنها مقاتلات الاحتلال، التي تستهدف منازل المدنيين العُزَّل، بجانب استهداف المستشفيات والمساجد والكنائس، مما أدى إلى ارتقاء آلاف الشهداء والجرحى، بينما الذين نجوا من القصف حتى الآن يعانون من وضع إنساني كارثي، في ظل التضييق عليهم.
وبحسب أحدث إحصائية صادرة عن وزارة الصحة في غزة، ارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى أكثر من 11 ألف شهيد