هداية التوفيق

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
لا شيء أعظم من الهداية ، وهي مِنّة يمن الله (عز وجل) بها على من يشاء من عباده ، حيث يقول سبحانه : "أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ" (الأنعام: 90)، والمسلم يقرأ سورة الفاتحة في صلاة الفريضة كل يوم سبع عشرة مرة، فضلًا عن قراءتها في النوافل وغيرها، وفي كل مرة يطلب الهداية من الله (عز وجل)، فيقول : "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" (الفاتحة : 6)، وفي مطلع سورة البقرة وصف ربنا (عز وجل) القرآن الكريم بأنه هدى للمتقين، حيث يقول سبحانه : "ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ" (البقرة : 2)، أي أن في القرآن الكريم إرشادًا للمتقين لما فيه صلاحهم وفلاحهم في معاشهم ومعادهم، وكأن الله (عز وجل) عندما سألناه الهداية في سورة الفاتحة يجيبنا في الآية الثانية من سورة البقرة بأن سبيل هذه الهداية هو القرآن الكريم الذي أنزله سبحانه هدى ونورًا وضياء ورحمة وشفاء لما في الصدور.
والهداية في القرآن نوعان : هداية دلالة وإرشاد، وهي مهمة الأنبياء والمرسلين والعلماء المصلحين، حيث يقول سبحانه لنبينا (صلى الله عليه وسلم) : "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" (الرعد : 7).
أما هداية التوفيق فقد تفرد بها المولى (عز وجل)، حيث يقول سبحانه في محكم التنزيل : "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (القصص : 56)، فالهداية هنا بمعنى التوفيق لاتباع سبيل المؤمنين، وهي فضل من الله (عز وجل) على عباده بتوفيقهم إلى طاعته، وتيسيره سبيل النجاة والفلاح لهم، حيث يقول سبحانه : "وَالله يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (يونس : 25)، ويقول سبحانه : "فَمَنْ يُرِدِ الله أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ الله الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ" (الأنعام : 125)، ويقول سبحانه : "أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ الله فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ " (الزمر : 36، 37)، ويقول سبحانه : "مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا" (الكهف : 17).